- بقلم: سيداتي بيدا
في لحظة دقيقة تمر بها المجتمعات العربية، وبينما تتنامى أصوات الشباب في أكثر من بلد، يبرز تصريح الرئيس التونسي الأسبق، الدكتور منصف المرزوقي، بشأن ما يجري في المملكة المغربية، كرسالة متزنة تنم عن وعي سياسي عميق وخبرة رجل عاش تجربة الانتقال الديمقراطي بكل ما تحمله من تحديات وآمال.
لقد تميز منصف المرزوقي، منذ سنوات، بمواقف تدعم التعبير السلمي وتحترم خصوصيات كل بلد. وفي حديثه الأخير عن الحراك الشبابي المغربي، أظهر فهماً متقدماً لديناميات التغيير، حين أكد أن ما يحدث هو تعبير عن حيوية المجتمع المغربي، وليس خروجًا عن ثوابته أو تشكيكًا في مؤسساته.
وقد كان لافتًا في تصريحه استحضاره لحكمة العاهل المغربي، الملك محمد السادس، واستشهاده بمرحلة 2011–2012، حيث تمكنت المملكة من تجاوز موجة الاضطرابات التي اجتاحت عددًا من الدول العربية، بفضل تفاعل المؤسسة الملكية مع المطالب الشعبية بطريقة مسؤولة ومتزنة.
لكن اللافت أكثر هو تركيز المرزوقي على ما أسماه “مثلث السلمية”: لا للعنف، لا للإساءة، لا للتخريب. وهي مبادئ تشكّل، في نظره، ركيزة أساسية لأي حراك وطني يُراد له أن يكون بناءً، لا هدمًا، إصلاحًا، لا فوضى.
تصريح كهذا، وإن بدا في مظهره تضامنياً، إلا أنه في جوهره يحمل دعوة رصينة إلى الإصغاء، لا من باب الإملاء، بل انطلاقًا من قناعة رجل دولة بأن الاستماع إلى تطلعات الأجيال الجديدة هو استثمار في الاستقرار، لا تهديد له.
إن منصف المرزوقي، بخلفيته الحقوقية وتجربته السياسية، يدرك أن قوة الأنظمة لا تقاس فقط بقدرتها على ضبط الأمور، بل أيضًا بمرونتها وقدرتها على التفاعل الإيجابي مع التغيرات المجتمعية، في إطار يحفظ المؤسسات ويعزز الثقة بين مختلف المكونات الوطنية.
في زمن تعلو فيه أصوات المواجهة أو التجاهل، يأتي صوت منصف المرزوقي ليذكّر بأن مسار الإصلاح لا يُبنى بالقرارات المنفردة فقط، بل بالشراكة والتفاهم واحترام إرادة الشعوب. وهي رسالة قد لا تكون جديدة، لكنها تكتسب أهمية خاصة حين تصدر عن شخصية سياسية عاشت الانتقال، وتعرف أن الحكمة ليست في مقاومة التغيير، بل في إدارته بذكاء وهدوء.
- عضو الاتحاد الدولي للصحافة العربية
التعاليق (0)